العولمة والهوية الثقافية No Further a Mystery
Wiki Article
. إنسان لا هوية له إلا ما استمده من لحظات عيش استهلاكية محضة. وهذا الوضع البشري الذي خلقته العولمة يجعل من التفوق الثقافي التي تمثلها المركزية الغربية إشكالية دائمة وقائمة، تقف بالمرصاد لكل محاولة للتحرر الثقافي. مركزية انبنت على تمركز الذات الغربية، التي سعى عدد من الإثنولوجين الغرب تفكيك خطابها، وأولهم لفي ستروس.
المنظمات الفلسطينية المقاومة للاحتلال ارهابية، والمحتل مدافع عن نفسه، والجماعات الإسلامية في أفغانستان المقاومة للاحتلال الأمريكي وحكومته ارهابية، بينما نفس الوضع كان إبان الاحتلال السوفيتي ولكن تلك الجماعات كانت مقاومة مشروعة مدعومة، مما يعني وجود اختلال حاد في موازين العالم تحت إمرة الحضارة الغربية الصليبية الصهيونية.
أعقبت الحرب العالمية الثانية تغيُّرات جذرية في العالم. وما زالت عجلة التغيير في حراك متسارع، برز معه, وبشكل واضح وفعّال, الدور الكبير الذي تلعبه الثقافة في تعزيز الاستراتيجيات الدوليّة التي تهدف إلى توسيع نطاق الخطط الاستثمارية والصناعية، إلى جانب تشييد الهويّة الدوليّة الخاصة التي تتشكّل في الأذهان بفضل التفوّق العالمي في الإنتاج الصناعي أو الثقافي.
ومناقشة الهوية الثقافية في علاقتها بالموروث الثقافي، يجرنا حتما إلى تناول إبدال آخر للهوية، يتعلق الأمر بمفهوم الهوية القومية. إن رصد هذا الأخير رصدا علميا دقيقا لا يتحقق، في رأي نديم البيطار، إلا بشرح تمايزين يتخللانه:
ذلك أن قدرة العولمة الثقافية في فرض وجودها واستمرارها لن يتحقق ما لم تراع هذه العولمة خصوصية ثقافات المجتمعات، ومراعاة تاريخ الشعوب وحقوقهم الثقافية.
إلا أن الكاتب رغم اعترافه بنجاح العولمة في الجانب الاقتصادي والعسكري إلا أنها لن تتمكن من إقصاء الهويات الثقافية القائمة على أساس ديني، لذلك ينصحنا بضرورة تفعيل هويتنا والمساهمة في نشر إشعاعها وتعريف الأجيال الصاعدة بها.
إعطاء كل الأهمية والأولوية للإعلام لإحداث التغييرات المطلوبة على الصعيد المحلي والعالمي، باعتبار أن “الجيوبوليتيك”، أو السياسة منظورا إليها من زاوية الجغرافيا، وبالتالي الهيمنة العالمية، أصبحت تعني اليوم مراقبة “السلطة اللامادية”، سلطة تكنولوجية الإعلام التي ترسم اليوم الحدود في “الفضاء السيبرنيتي”: حدود المجال الاقتصادي السياسي التي ترسمها وسائل الاتصال الإلكترونية المتطورة.
يقول الصحفي السويدي ثوماس لارسوم في كتابه السباق إلى القمة: القصة الحقيقية للعولمة، إن العولمة:
كما أن الحفاظ على الثقافة الوطنية لا يعني إقصاء ثقافة الآخر؛ لأننا نحتاج إلى أن نفهم الآخر، ونتعرّف عليه؛ حتى يتسنى لنا تحقيق التبادل الثقافي على أكمل وجه، وإزالة أي فهم أو انطباع خاطئ ناتج من الجهل بالاختلافات الثقافية بين الشعوب. وبذلك تحمي الدول هويتها من التأثير السلبي للخمول الثقافي في نظام العولمة النشط.
وبعبارة أخرى إن العلاقة بين هذه المستويات الثلاثة تتحدد أساسا بنوع “الآخر”، بموقعه وطموحاته: فإن كان داخليا، ويقع في دائرة الجماعة، فالهوية الفردية هي التي تفرض نفسها كـ”أنا”، وإن كان يقع في دائرة الأمة فالهوية الجمعوية (القبلية، الطائفية، الحزبية الخ) هي التي تحل محل “الأنا” الفردي.
إيديولوجيا الاختراق تقوم على نشر وتكريس جملة أوهام، نور هي نفسها “مكونات الثقافة الإعلامية الجماهيرية في الولايات المتحدة الأمريكية”، وقد حصرها باحث أمريكي في الأوهام الخمسة التالية: وهم الفردية، وهم الخيار الشخصي، وهم الحياد، وهم الطبيعة البشرية التي لا تتغير، وهم غياب الصراع الاجتماعي.
الهوية الثقافية.. هل تقضي العولمة على الخصوصية الثقافية للمجتمعات؟
ضرورة تفعيل هويتنا للحفاظ عليها من الاندثار أمام غزو العولمة
ولوحظ أنه غالبًا ما يطرح سؤال الهوية في المجتمعات التي تتسم عناصرها بالتنوع والاختلاف، أكثر من المجتمعات التي ينتمي أفرادها إلى هوية واحدة، ويكون ذلك في الأغلب حالة للمجتمعات القروية المحدودة السمات والعناصر، البعيدة عن مجتمع المدينة الكبيرة التي تضم أشكالًا وفئات مختلفة ومتنوعة، فالمدينة تشكل مجموعة من النظم الاجتماعية والثقافية المتغيرة وفي حالة حراك دائم. وقد تعددت تعاريف العلماء والمؤرخين بتعدد الأمكنة وتغير الأزمنة، فرأى أرسطو أن المدينة هي مجموعة من الذكريات الصخرية الممكن إدراك معانيها ومكوناتها، أما ابن خلدون فيرى أن "المدن والأمصار ذات هياكل وأجرام عظيمة وبناء كبير… وهي موضوعة للعموم لا للخصوص فتحتاج إلى اجتماع الأيادي وكثرة التعاون"، ومن ثم فإنَّ التصور المطلق للمدينة بشكلها الحديث من المنظور المجتمعي ما هو إلا هويات ثقافية مختلفة تتعايش في بيئة واحدة وتتفاعل مع بعضها تفاعلا مستمرًّا، ومجموعة القيم والثقافات المختلفة للأفراد تتجانس لتكوّن فسيفساء ينتج عنها الشكل النهائي المتناغم للمجتمعات.